بلابوش .. وحريشي .. وسمج مسكوف...
احتفظت لنا الذاكرة العراقية بالكثير من الكلمات والتعابير الاكدية (بلهجتيها البابلية والآشورية) التي ظلت سائدة اكثر من الفي عام حتى سقوط بابل في القرن السادس قبل الميلاد والتي اعتمدت على الكتابة المسمارية التي ورثتها من شقيقتها السالفة السومرية.
قبل الميلاد بببضعة قرون بدأت تنتشراللغة الآرامية التي تعتبر مزيجا من الكنعانية الشامية والاكدية العراقية، والتي تمكنت من ان تحل محل الاكدية السابقة بسبب اعتمادها على الكتابة الحروفية السهلة والعملية التي ابدعها اهل الشام. ظلت الآرامية تستخدم في بلاد الرافدين طيلة قرون حيث اتخذت تسمية (السريانية) بعد انتشار المسيحية في العراق والشام. بعد حتى بعد إنتشار الاسلام ومعه اللغة العربية ظلت الآرامية (السريانية) تلعب دورا اساسيا في الحياة الثقافي في العراق والشام من خلال رفدها للعربية بالعبارات والمصلحات والمفردات الجديدة، وذلك عبر الدور الكبير الذي لعبه المترجمون السريان من مسيحيين وصابئة. من الطبيعي جدا ان هذه اللغة الآرمية التي كانت لغة العراقيين جميعهم دخلت في اللغة العربية الجديدة بصورة تدريجية وطبيعية كما يذوب الثلج في الماء، بحيث يمكن الجزم بان اللهجة العراقية بجميع تنوعاتها ما هي إلا بقايا اللغات العراقية القديمة ( الاكدية والآرامية) بعدما ارتدت زي اللغة العربية. ان الدراسة الصحيحة ووالمقارنة العميقة تؤكد لنا انه لا زال في اللهجة العراقية ما لا يحصى من المفردات والتعابير واساليب الللحن واللفظ والتصوير اللغوي من اللغات (السومرية والاكدية والآرامية) . لقد اتيح لي التعرف على جذور الكثير من هذه الكلمات والتعابير عندما بدأت بدراسة اللغة الآرامية القديمة، ضمن منهاج الدراسات العليا الذي اقوم به . وسأقدم لك عزيزي القارئ فيما يلي جزء بسيط منها وهي غيض من فيض كما يقال :
مسـﮔوف : السمك المسـﮔوف هو ملك المائدة العراقية . ومسـﮔوف من الفعل الآرامي [ س ق ف ] اي خوزق (سيَّخ) . ومسكوف يعني مخوزق (مسيَّخ) ، وذلك لأن من يشوي السمكة يقوم بشقها من الظهر وينظفها ثم يخوزق (يسيَّخ) السمكة عرضيا بأسياخ (أوتاد) خشبية ترفعها عن الأرض وهي تقابل النار .
يشجر : يشجر التنور بمعنى يحمي التنور، و يشـﮔـر بالارامية من مشـﮔـور، وهو شجر الطرفاء المعروف الذي يحمى به التنور او الآتون.
ﭽـا : يستخدم اهل جنوب العراق هذه الكلمة بكثرة، فيقولون: ﭽـا شلون ؟ بمعنى كيف اذن ، ﭽـا شفت شلون؟ بمعنى هل رأيت كيف، و ﭽـا ليش ؟ بمعنى لماذا اذن ، وتأتي كأداة ربط يصعب ترجمتها حرفيا مثل [ﭽـا شمدريني] و [ﭽـا وينك] وهكذا . وهذه الكلمة مقتصرة على العراقيين فقط وأصلها من كا او قا الآرامية وهي بنفس المعنى تحولت الكاف الى (ﭽـ ch ) مثلما تحولت كلمة كلب الى ﭽـلب و كف الى ﭽـف وهكذا. ونجد ذكرا لهذه الكلمة في ذه الأغنية المندائية/ الآرامية الجميلة التي تنشد في الاعراس : الهايه ربيثه استارثي / إد إِدري لي نور اسقيلو / كـا هزيت ابـﮔـوّ / انات اشفر مني آن ؟ ومعنى الأغنية : يا سيدتي الجملية / التي تحمل المرآة من اجلي / هل ترين فيها متنبئة / بأني اكثر جمالا (نقاوة) منها ؟ كتابة آرامية عراقية وهي اساس الخط الكوفي
طرئوزي : خيار القثاء ( الطرح عند أهل الجنوب) ترع أوزي [ ترع عوز] قرية قرب حران وتعني باب الزهرة . وكان صابئة حران يزرعون هذا النبات الحلو في اطرافها، والذي ينتسب الى عائلة الخيار والبطيخ، لفوائده الطبية.
عزه : تقول النساء العراقيات عزا بمعنى ـ المصيبة ـ والعزا [ أزا ] بالارامية هي النار المتقدة ـ الحريق اوالكارثة التي تنجم عنه.
طرﮔـاعه : هيجان عظيم ، واضطراب شديد . وهي مشتقة من الجذر الثلاثي الآرامي [ ط ر ق] بمعنى : يخفق ، يخلط ، يقلق (الهدوء والسكينة) . فنقول [طرﮒ البيض] أو[ طرﮒ اللبن] بمعنى خفقه وحركه . و [ طرﮔـا أو طرﮔـاءة ] ـ اصبحت بعدئذ طرﮔـاعة ـ هي بمعنى : تشويش، اضطراب ، اقلاق ، ازعاج و فوضى.
سرسري : كلمة ارامية تعني ذو الاخلاق السيئة ؛ اي سمسار ، قواد . وهي بنفس المعنى بالفارسية ايضا.
تمريخ : من تمروخ الآرامية بمعنى الدعك او المساج . يقول العراقيون : مرّخوله رجله وفاخ من الوجع . أي دعكوا قدمه وارتاح من الألم .
يفوخ : وهي من الجذر الآرامي [ فوخ] بمعنى ينفخ ، يهب ، يطلق ريحا ] يظرط] ، يرتاح. يقول العراقي : افوّخ الجمجمة بمعنى أريح الرأس .
يدگ حدادي : يقولها العراقي عندما يقع بورطة لا يعرف لها منفذا ومعناها بالآرامية : يضرب كفا بكف.
اسليمة : تعبير (اسليمه كرْ فـَتـَـه (يطلقه العراقي على من لا يطيقه. و (سليمه او سليموت) بالبابلية والآرامية تعني الموت او شبح الموت والفعل ﮔـرف يعني جرف اي أخذ ، وعبارة (اسليمة كرفته) عبارة تمني بمعنى ليت الموت يأخذه (البعيد عنكم).
بوري : يستخدم العراقيون كلمة ] بوري ] للدلالة على الانبوب، وكلمة [ بوري ] هي كلمة عراقية اكدية قديمة تعني قصبة البردي المجوفة وهو النبات المشهورالذي ينبت باهوار العراق ، ومنها جاءت كلمة [ بارية ] وجمعها [ بواري ] اي حصيرة القصب . ابتكر العراقيون معنى آخر للبوري فيقولون اليوم : فلانا انضرب بوري ، بمعنى نـُصـب عليه ، احتالوا عليه واستغفلوه.
بلا بوش : قليل الحياء ، الذي لا يستحي . بلا تعنى بدون و (بوش ) كلمة ارامية قديمة تعني الخفر او الحياء ، الفرج. وبلا بوش تقال للشخص القبيح اي ( بلا حياء ) والكويتيون مازالوا يقولون " جليل الحيا" بنفس المعنى . اما البوشي فهو النقاب.
حريشي: صمم ، سكون او موت ، يقولون يطبّه حريشي اي ليصيبه ( يضربه) الصمم ، الموت.
رﮔـه : سلحفاة ؛ من الأكدية رقو
صريفة : من صريف السومرية / الأكدية بمعنى كوخ القصب
بربوﮒ : من الألفاظ التي تسب بها النساء ، وجمعها برابيـﮒ . وقد جاء في شعر للبهاء زهير: (( لا تعجبوا كيف نجا سالما من عادة البربوق لا يغرق)) . ومن النادر ان يخاطب بها الرجل .. وقد خرجها في قاموس العوام من البُربُخ .. قال ويشتمون الغلام والمرأة بقولهم بربوﮒ كناية عن [ السعة ] كأنها مجرى لماء الرجال .. وفي الأمثال البغدادية : (( بربوﮒ ما يغرﮒ )) .
يزي : يكفى ، تم ، كمل . نقول يزي عاد اي يكفي الان.
صـﮔـله : لعبة يمارسها الاطفال في العراق هي كلمة ارامية تعني : تكويم الحصى.
كرَّز ـ كرزّات : قطـّع ؛ يقال كرزت فلانة الحب اي قطعت (قشور) البذور باسنانها ومنه جاءت كلمة (كرزات) العراقية اي مكسرات كما يسميها بعض العرب . و البابلي كان يقول : كرز فلان فلانا اي اتهمه بالباطل. وحاليا يقول البعض (ﮔـصّه) اي اغتابه.
حرمه : بعض الناس يشيرون الى المرأة بالـ " حرمه" ، وترد هذه االكلمة في اللغة الأكدية بصيغة [حرماتو ] و [ شمخاتو ] وتعني (بغي المعبد) او (كاهنة الحب) ، والكلمتان في الأكادية تشيران الى زمرتين من كاهنات معبد عشتار الموكلات بالبغاء المقدس.
دوش : على وزن (خوش) . يقول العراقيون عن اللحمة الدهينة: لحمة دوش ، ودشَـن هو السمين بالآرامية ومنها اسم دشنة وهي المرأة السمينة او الدهينة.
جت: من [ دت ] الآرامية وهو عشب من انواع البرسيم ترعاه الماشية.
عود أو عودين : على وزن بعدين ، ظرف زمان آرامي بمعنى عندئذ. ماطول : كلمة آرامية تعني بسبب ، مادام . وترد في السريانية بنفس المعنى ايضاً . نقول : ما أطب بيتك ماطول بيه فلان . اي لا ادخل بيتك بسبب وجود فلان (الذي لا ارغب برؤيته) بداخله.
إلّح : يقول العراقيون : اخويه الـ [ لح] وعمي الـ [لح] بمعنى اخي شقيقي وعمي اخ أبي . وهي كلمة آرامية / عبرية تعني القريب جدا (ءلح).
بوجي : بعض العراقيين يسمون الكلب الصغير ( بوجي) . و [البوﮔـي] في البابلية والآرامية كائنات روحانية أو اشباح. ومنها جاءت كلمة [ بعبع ].
شاغ ، وشاغت روحه : أي ذهبت روحه وغاب وعيه [ من الألم أو غيره ] . وهي من الفعل الآرامي [ ش غ ا ] بمعنى : يضيع ، يُفقد ، يضيّع الهدف ، ينتشي ، يحيد عن ، يخطأ
منقول